بنوك الطعام في العالم ودورھا في مكافحة الجوع: بنك الطعام في تونس نموذجا
سنركز في ھذا المقال على توضیح طبیعة بنوك الطعام في العالم وكیف یمكنھا أن تشارك في حل متلازمة الجوع والفقر ، وكیف تتمكن من حل مشكلة الجوع والفقر في فترة زمنیة قصیرة ، بحیث تكون علي المدى الطویل المشروع الأھم في المساعدة على القضاء المبرم لمشكلة المجاعات .المتلاحقة في تونس وھذا المشروع العملي تم تطبیقھ في عدد من الدول والأماكن المختلفة ، ولاقى نجاحاً كبیر اً ، ولنأخذ مثالاً في تونس لتطبیق ھذا المشروع وھو یخص مؤسسة بنك الطعام التونسي ودورھا في مكافحة الجوع في تونس .
مراحل تطور فكرة بنك الطعام في تونس
بنك الطعام في فكرتھ الأساسیة عبارة عن ، مؤسسة تطوعیة تعمل على محاربة الجوع ، وتعمل المنظمة في مجال التنمیة والأمن الغذائي وسط شرائح المجتمع الفقیرة ، تعمل المنظمة وفق رسالة وفكرة التكافل بین المجتمع لدرء المخاطر الناجمة عن الجوع على الصحة والتنمیة والآثار الناجمة عن ذلك المتمثلة في التشرد والتسول مرت الفكرة بعدة مراحل وتطورات أكسبت العاملین فیھا الخبرة والدرایة منذ أن كانت أعمال قلیلة الأثر ومبادرات فردیة حتى أصبحت الان عدة مؤسسات متنافسة لخدمة الإنسان التونسي من أجل كسب المعركة ضد متلازمات الجوع .. والفقر
المرحلة الأولي
تأسست منظمة بنك الطعام التونسي من خلال السیدة رائدة الاعمال ” وجیھة الجبابلي ” بدأت نشاطھا في عام 2011 ، ابتداء كانت فكرة مختصرة وبرنامج صغیر یعني بتجھیز وجبات للطلاب في المجمعات السكنیة بالإضافة لعمل برامج موسمیة في رمضان وعید الأضحى ، ومن ھنا ظھر جلیا أھمیة التوسع في ھذا البرنامج وذلك من خلال تجاوب شرائح المجتمع التونسي مع الفكرة بالدعم والمشاركة خاصة في برامج (عید بلا جوعي) الذي یعنى بتجمیع لحوم الأضاحي وتوزیعھا علي المحتاجین ، حیث امتلأت كل الطاقة التخزینیة الموضوعة في أزمان قیاسیة .
المرحلة الثانیة
یقودھا مجموعة من الشباب ، تحدیات ومفاھیم رسائل كثیرة یھدف ھؤلاء الشباب إلى توصیلھا عبر ھذه المنظمة ، ولكن تحدیات عصیبة تقف عائقاً أمام ھذا المشروع الذي یرمي إلى أن تكون تونس بحلول عام 2020 خالیة من الجوعى ورائدة في إدارة عملیة مكافحة الجوع بأفضل بنیة تحتیة وطاقات بشریة ونظام إغاثة فعال ، كانت ھذه المرحلة تحدى كبیر للفكرة . وكادت الفكرة أن تندثر لولا فضل لله علینا ومن ثم مجھودات بعض الشباب الذین حولوا ھذه الفكرة لمؤسسة تطوعیة شبابیة مسجلة ، وأصبحت مشكلة . التمویل ھي الھاجس الاكبر لمواصلة تنفیذ البرامج
المرحلة الثالثة
ھذه المرحلة تضمنت إنشاء منظمة بنك الطعام التونسي ,منظمة وطنیة مستقلة قائمة على التطوع وتعمل علي تحقیق الامن الغذائي والإسھام في تحریر الإنسان في تونس من الجوع والعوز والفقر ، صیانة كرامتھ واستنھاضا لطاقتھ للإنتاج وتحقیق الكفایة في شراكة وتكافل مع المجتمع ، وذلك بالتعاون بین الطاقات الشبابیة المؤسسة لفكرة بنك الطعام في المراحل السابقة مع إضافة كوادر مؤھلة و موارد أكثر عبر مكتب تنفیذي جدید ومجلس إدارة یشارك فیھ افضل العقول التونسیة المتخصصة في المجالات ذات الصلة .
أولویات مكافحة الجوع عبر بنك الطعام التونسي
نقصد بھذه الأولویات الشرائح المجتمعیة المستھدفة بالدعم والمساعدة ، من خلال خطط الاستراتیجیة والبرامج التي توضع لمكافحة الجوع والفقر ، ویمكن التدلیل علیھا من خلال أھداف الواردة في الموقع الرسمي للمنظمة بنك الطعام التونسي التي تشمل :
– الأولویة القصوى : توضع للاھتمام بالشرائح التي تتعرض لتغیرات مفاجئة وتحد من قدرة العائل علي توفیر الغذاء عند حدوث الكوارث الطبیعیة في موسم الأمطار في تونس ، كما حدث في السنوات الخمس الماضیة ، بالإضافة للكوارث المصطنعة بفعل الإنسان وتصرفاتھ الخاطئة ، التي أفرزت الأعداد الكبیرة من اللاجئین من الدول المجاورة لتونس بسبب الحروب ، حیث تكون ھذه الشریحة الأكثر حاجة للمساعدة بتوفیر الغذاء والماء الصالح لشرب ، وھو ما تم تحدیده في الھدف الأول للمنظمة بتقدیم العون الغذائي والطعام للمحتاجین و متأثري الكوارث و حالات الطوارئ .
– الأولویة المھمة : توضع للاھتمام بدعم شرائح محددة مثل طلاب المدارس وذلك بتقدیم وجبات دوریة في أماكن الدراسة والسكن ، بالإضافة إلي دور المخصصة للفئات التي تحتاج إلي الدعم المستمر نسبة لعدم قدرتھم علي تلبیة الاحتیاجات الغذائیة لوجود سبب مانع ، ویتحقق ذلك بتقدیم العون الغذائي والطعام للمحتاجین من الأطفال والطلاب في مؤسسات التعلیم ودور الأیتام والعجزة والمسنین وذوى الاحتیاجات الخاصة و الأسر المتعففة .
– الأولویة العادیة : بالعمل مع المجتمع للحد من الھدر في استخدام الطعام والغذاء وتحویل الفائض لمكافحة الجوع والعوز والفقر ونشر ثقافة الغذاء الصحي ، ومساعدة الفقراء بتوفیر وسائل الانتاج والتدریب و الارشاد والعون الفني و ادخالھم في دورة الانتاج والاكتفاء الذاتي ، والعمل علي انشاء مؤسسات استثماریة لضمان الاٍستقرار المادي و استدامة العمل بالمنظمة . الجدیر بالذكر أن المؤسسات الخدمة مثل بنوك الطعام تحتاج الى إدارات متخصصة في المسائل المالیة والإدارة والقانونیة ، إدارات متخصصة بالمشاریع وطرق و الآلیات الفعالة لتنفیذھا ، إدارات متخصصة في الإعلام لتقوم بالتوعیة عبر الإعلام التقلیدي والإعلام الجدید ، إدارات متخصصة بالاستثمار وتوفیر الدعم المالي والعیني وبناء الشراكات مع رجال الأعمال المؤسسات المشابھة
– بنوك الطعام الدور المطلوب : مشروع بنك الطعام وتطبیقاتھ ینبغي أن یسلط علیھ الضوء ، ویوضع تحت مجھر الاھتمام لدى المھتمین ومؤسسات المجتمع المدني في دول شمال القارة الإفریقیة نسبة للضرورة التي حتمتھا الحاجة إلي المزید من إحكام حلقات الإداریة من أجل الاستخدام الفعال والإیجابي للموارد المحدودة للغذاء في العالم في القارة الإفریقیة ، نسبة لاحتمالیة حدوث الكوارث في أي لحظة في كل دول إفریقیة ، وھذه الكوارث یجب ان نجد خطط لتلافي أضرارھا وعدم الانتظار لوصول الدعم الخارجي خاصة عند الضربة الأولي ، وبنوك الطعام ھي المرشح المحتمل لأداء ھذا الدور عبر عدة خطوات أھمھا
– إعادة توزیع الفائض من الطعام في المناسبات الخاصة : تعتمد ھذه الفكرة على عقد اتفاقیات مع الفنادق وصالات المناسبات الخاصة على إعادة توزیع الطعام الفائض من ھذه الأماكن وتوزیعھا على التجمعات السكانیة المحتاجة القریبة من مكان الحدث ویتجلى ذلك في تجربة بنك الطعام المصري فمن , أھم المحاور التي یعمل علیھا بنك الطعام المصري التوعیة بعدم إھدار الطعام ،قام البنك المصري داخل مصر بعمل بروتوكول تعاون مع غرفة المنشآت الفندقیة لعدم إھدار الطعام الفائض من الحفلات و الذي “لم یمس ” و تعبئتھ في أطباق فویل لتوزع على المحتاجین في المنطقة المحیطة بالفندق
– إعادة توزیع الفائض من الطعام في المناسبات العامة من المعلوم أن لكل مجتمع أنساني مناسبات وأعیاد تظھر فیھا مظاھر الاحتفال والبھجة ، ویترافق مع ھذه الاحتفالات الھدر الكبیر للطعام ، ومن ھذه المناسبات بالنسبة للمسلمین عید الفطر بعد صیام شھر رمضان وكذلك عید الأضحى ، یتمثل دور بنك الطعام في الاستفادة من المناسبات من أجل تجمیع الفائض من الطعام وتوزیعھ على المحتاجین ، كما في مشروع “عید بلا جوعي ” التابع لبنك الطعام التونسي , حیث تقوم المنظمة بنصب خیام في الأحیاء (المتیسرة) وتجمیع آلاف الكیلوجرامات من اللحوم وتوزعھا على الأسر الفقیرة في عید الأضحى المبارك ، ویساعد ھذا العمل في الحفاظ علي الكمیات الكبیرة من اللحوم التي تذبح في العید الأضحى ، كما في مشروع “الإفادة من لحوم الھدي والأضاحي ” الذي یقوم بالاستفادة من أضاحي وذبائح حجاج بیت لله الحرام وإعادة توزیعھا للمحتاجین في دول العالم المسلم والغیر مسلم ، او ترحیلھا الى مخیمات اللاجئین في أنحاء العالم.
– تحفیز المجتمع لإطعام الفقراء : یتم ذلك بتفعیل مبادئ المسئولیة المجتمعیة للشركات والمؤسسات من أجل الإسھام في إطعام الفقراء ، ھذا المشروع موجود تحت مسمي كیس الصائم وكیس الأیتام في منظمة بنك الطعام التونسي ، حیث یتم مخاطبة المساھمین وتجمع المبالغ المالیة وتحول إلي مساھمة دوریة بكیس لأسر الأیتام یختلف عن كیس الصائم حسب الأولویات درجة الفقر والحاجة ، ویمكن توسیع ھذا المجھود لیشارك فیھ اكبر قدر ممكن من الخیریین بعمل حملات إعلامیة موجھ ومصممة لھذا الغرض خاصة في المواسم الدینیة مثل شھر رمضان عید الأضحیة بالنسبة للمسلمین ، والمناسبات الأخرى لغیر المسلمین
– بنوك الطعام كأداة لوقف ھدر الطعام : حذرت منظمة الأغذیة والزراعة العالمیة – الفاو – من الھدر الكبیر من جملة المنتج من الطعام وتأثیر ذلك على البیئة والأمن الغذائي للمجتمعات , فإن الخسائر الغذائیة المرتفعة لا تشكل عبئا اقتصادیا فحسب بل ھي عبئا بیئیا وقد تكون كذلك ضارة بالأمن الغذائي ، إلا أن تخفیض الفاقد المھدر من الغذاء یتطلب استثمارات إضافیة كبیرة في إمكانیات الإقلیم على تخزین الغذاء ، ذلك علي مستوى إقلیم الشرق الأدنى وشمال إفریقیا وحده حیث , تفید التقدیرات بأن حوالي 20 بالمائة من الإمدادات الغذائیة الصالحة للاستھلاك الآدمي تفقد أو تھدر في الإقلیم الأرقام الصادمة مخیبة للآمال علي مستوي الإقلیم وكذلك ھو الحال لدولة واحدة , كمثال علي الھدر الكبیر للغذاء في تونس ر متوسط الخسائر التقدیریة بالنسبة المئویة في الفواكھ 19 % ، الخضروات الطازجة 29 % ، البرتقال 14 %، الطماطم 15% مما سبق یتضح لنا عظم الخطب الجلل ، ومن ھنا یبرز لنا أھمیة بنك الطعام كشریك للحكومة والمجتمع ، من أجل تقلیل الھدر الكبیر للطعام وذلك بتفعیل الرقابة علي الأسواق وتنبیھ المجتمع علي تسلیم بنوك الطعام الفائض من الطعام بصفة دوریة او یومیة , وعمل خطط إشرافیة مشتركة لتوزیع الفائض علي المحتاجین بطریقة أمنة ومشرفة تحفظ الكرامة الإنسانیة
– مفاھیم مجتمعیة في مكافحة الجوع : لتعزیز دور بنوك الطعام في تقلیل أعداد الجوعى یستلزم ذلك عمل كبیر لوسائل الإعلام لتوعیة المجتمع وتبصیره بالمفاھیم الخیرة الموجودة فیھ ، و العمل علي تشكیل و توجیھ العقل الجمعي نحو أھمیة التكافل والتراحم بین أفراد المجتمع ، وتنمیة روح الإنسانیة ، وتعزیز ھذه المفاھیم في القوة الفاعلة في المجتمع ، ویتحقق ھذا الھدف بالتنویھ للمفاھیم التالیة , علي المستوى الفردي ، المؤسسات ، الدولة
– مفھوم اشترى واترك لغیرك : نعني بھ تحفیز المقتدرین على شراء ما یكفي اسرتھ من طعام او شراب ، وشراء كمیات أخرى تكون عھدة لدي أصحاب البقالات و ” سوبر ماركت ” لتوزع على المحتاجین ممن لیس لدیھم القدرة علي الشراء خاصة علي المستوى الفردي ، ستثبت التجربة نجاح ھذا المفھوم وتحولھ إلي عادة لدي التونسیین في العاصمة تونس و بقیة الولایات الكبرى خاصة في الأحیاء الشعبیة ، حیث یشترى الشخص ما یكفیھ من أرغفة الخبز ، ویشترى كمیة أخري تعلق علي لافتة كبیرة مكتوب فیھا ( أشترى أترك لغیرك ) فیأتي المحتاج ویأخذ مما ترك في ھذه اللافتة ولا یجد غضاضة ولا تعنیف من أحد ، وھذا الصنیع لا یحتاج لأى مؤسسة لتدیره فھو فعل عفوي من أبناء المجتمع وتطبیق جمیل معانى الإسلام ، فعندما تتصدق لا تدرى من یأكل ھذا الخبز ، ینتشر ھذا المفھوم لیشمل العدید من السلع ، غیر الخبز والماء , مثل ما حدث في مبادرة (people’s fridge) في بریطانیا حیث وضعت ثلاجات في الشوارع یضع فیھا المتبرعون الفائض من طعامھم ویأكل الجوعى ما یحتاجون من طعام بطریقة عفویة تلقائیة
– مفھوم من الفضلة الي الفائض : نعني بھ الالتزام في محیط الأسرة والمجتمع باستھلاك ما یكفي من الموارد والعمل علي التبرع بالفائض من الطعام والشراب للغیر , حتي لا تحول المواد الغذائیة الى نفایات بسبب تخزینھا وعدم استعمالھا في الوقت المناسب ، وھذا المفھوم یمكن أن یتبني علي مستوى المؤسسات التجاریة في أسواق الخضر والفاكھة والمطاعم والمقاھي ، حیث یمكن لصاحب المطعم عند نھایة یومھ أن یتبرع ھو بالفائض من الطعام الذي عنده للمحتاجین او یعقد اتفاقیات مع بنك الطعام في المنطقة لاستلام الفائض وتوزیعھ على محتاجي الطعام وكذلك ھو الحال لبقیة المؤسسات المشابھة
– مفھوم الاستثمار الوقفي : نعني بھ : ما یبذلھ ناظر الوقف من جھد فكري ومالي من أجل الحفاظ على الممتلكات الوقفیة وتنمیتھا بالطرق المشروعة ووفق مقاصد الشریعة ورغبة الواقفین بشرط ألا تعارض نصا شرعیا ، ویحتاج لھذا المفھوم علي مستوى الدولة لتعزیز دور المؤسسات العاملة في مجال إطعام الفقراء ، عن طریق تحفیز عناصر المجتمع لعمل أوقاف لإطعام الطعام وتوفیر موارد مالیة كافیة لاستدامة العمل فیھا ، لكن المطلوب في ھذا البحث مؤسسات وقفیة او شبة حكومیة للإطلاع بھذا الدور . المھم
– الخلاصة : یتضح لنا الأھمیة القصوى لأھمیة بنوك الطعام من أجل مكافحة الجوع ، ومن أجل عمل مشروع أممي لعمل تنمیة زراعیة مستدامة كمدخل لتوفیر الغذاء حتى یستمر عمل بنوط الطعام ، كحل عملي لمشكلة الجوع والمجاعات كخطوة أولي ، وكذلك أھمیة إنشاء بنوك الطعام في كل قطر للإطلاع بالأدوار أنفة الذكر ، وأھمیة عمل شراكات مجتمعیة لاستدامة العمل في إطعام الجوعى ، لان ھذا العمل لا تكفي الجھود الحكومیة فقط للإطلاع بھ ، بل یھم جدا أن یطلع . المجتمع بالدور المحرك كأفراد او مؤسسات مجتمعیة.
بقلم سمير باشا